Wednesday, December 3, 2025

بريجيت باردو


وراء تلك المرأة الجميلة، أيقونة الجمال الفرنسي بريجيت باردو، ووراء كل أعمالها الخيرية تجاه الحيوانات، كان مجرد قناع براق يخفي ظلا مخيف .
قناع صُنع من شهرة عالمية ومن أنانية الـ«إيغو» التي غلبت على صوت القلب، حتى صارت الرحمة التي منحتها للحيوانات حرمانًا قاسيًا لابنها من الحنان نفسه.

في سنة 1960، أنجبت بريجيت باردو ابنها الوحيد نيكولا شاررييه من الممثل جاك شاررييه.
لكن بدلاً من أن ترى فيه امتدادًا للحياة، رأته عبئًا.
وفي كتابها الشهير «Initiales B.B.» الصادر سنة 1986، صدمت العالم حين قالت:

> «كنت أعيش كأن بداخلي ورمًا سرطانيًا يتغذى مني. لم أكن أريد هذا الطفل.»

ثم أضافت عن لحظة الولادة:

«عندما وضعوه بين ذراعيّ، وجدته قبيحًا كضفدع صغير... لم أشعر بشيء، لم أرده، ولم أستطع النظر إليه.»

تلك الجمل كانت كالطعنة الأولى في قلب ابنها، الذي لم يذنب سوى أنه وُلد من أمّ لم تكن مستعدة للحب.
لم تكتفِ باردو بغيابها الجسدي عن طفولته، بل غابت روحيًا أيضًا. تركته يبحث عن حضن، بينما كانت هي تلاحق الكاميرات والأنوار.
ومع مرور السنين، حين قرأ تلك الكلمات التي كتبتها عنه ببرود، تفتّت شيء بداخله.
كلماتها لم تكن حروفًا، بل رصاصًا صوّبته الأم نحو ابنها دون أن تراه يسقط من الداخل.

لكنه لم ينهزم. كبر نيكولا بشجاعة، وواجهها ورفع ضدها دعوى قضائية بتهمة المساس بحياته الخاصة  وربح القضية.
ثم غادر فرنسا إلى الأبد، ليعيش في النرويج، بعيدًا عن وطنٍ لم يمنحه أمانا ولا دفئًا أموميًا.

قصة نيكولا شاررييه ليست مجرد رواية عن أمٍ مشهورة وابنٍ جريح، بل هي مرآة لواقع مؤلم:
أن بعض الأمهات تحت ضغط الشهرة أو الجرح أو الأنا، ينكرن الحياة التي أنجبنها، فينبت في أبنائهن صمت طويل ودموع لا تُرى.

إنها تذكير لنا بأن الأمومة ليست فعل ولادة، بل فعل وعي ورحمة.
فمن لم يتصالح مع نفسه، لن يعرف كيف يمنح حبًا دون شروط.

Monday, November 17, 2025

سياحة القنص

 

تحقق السلطات الإيطالية في ادعاءات صـ ـادمة تفيد بأن أثرياء أوروبيين دفعوا مبالغ طائلة خلال حرب البوسنة في التسعينيات، مقابل "رحلات قنص بشرية" لاستهداف مدنيين — بينهم أطفال — في مدينة سراييفو المحاصرة.

التحقيق فُتح بعد أن كشف الكاتب الإيطالي إيتسيو غافازيني عن معلومات تفيد بأن ما عُرف بـ"سياحة القنص" كان نشاطًا حقيقيًا، شارك فيه "هواة أسلحة أثرياء" من دول غربية متعددة، دفعوا ما يصل إلى 90 ألف دولار للحصول على فرصة لإطلاق النار على سكان المدينة.

وقال غافازيني لوسائل الإعلام:

"كان بينهم ألمان وفرنسيون وإنجليز... لم تكن هناك دوافع سياسية أو دينية، بل رغبة في المتعة الشخصية."

وبحسب رواياته، فإن هؤلاء "القناصين السياح" تعاونوا مع قوات صرب البوسنة خلال حصار سراييفو الذي استمر أربع سنوات بين عامي 1992 و1996، وأسفر عن مقـ ـتل أكثر من 10 آلاف شخص نتيجة القصف والقنص.

الكاتب أوضح أنه بدأ تحقيقه بعد مشاهدته فيلمًا وثائقيًا عام 2022، يتحدث فيه جندي صربي سابق عن أجانب كانوا يصعدون إلى التلال المحيطة بسراييفو "لإط ـلاق النـ ـار على السكان كنوع من الترفيه".

ويقود مدّعون في مدينة ميلانو التحقيق لتحديد هوية الإيطاليين الذين يُعتقد أنهم شاركوا في تلك الجـ ـرائم، فيما أعلنت القنصلية البوسنية في ميلانو استعدادها للتعاون الكامل مع التحقيق.

وتشير التقارير إلى أن الكاتب قد كشف بالفعل أسماء عدد من الإيطاليين المشتبه بهم، ومن المتوقع استجوابهم خلال الأسابيع المقبلة.

Saturday, November 15, 2025

Neanderthals didn't die out

 

A groundbreaking study published in Scientific Reports challenges the long-held view of Neanderthal extinction around 40,000 years ago, proposing instead that they were gradually absorbed into Homo sapiens through interbreeding, rather than vanishing abruptly.
Researchers developed a mathematical model simulating gene flow between the two species, using modern hunter-gatherer birth rates. It predicts Neanderthals—limited to small populations of a few thousand—were genetically diluted over 10,000–30,000 years as larger waves of sapiens migrated into Europe and Asia, leading to repeated mixing.
This "genetic admixture" explains why 1–2% of Neanderthal DNA persists in non-African modern humans today, influencing traits like immunity and skin pigmentation. While climate and competition likely contributed to their decline, the model emphasizes intimacy over rivalry: Neanderthals didn't die out; they became us.

بنك النساء

 

قبل عام ١٩٧٤، لم يكن بإمكان النساء الأمريكيات الحصول على بطاقة ائتمان دون توقيع رجل.
لذا في عام ١٩٧٨، قامت ثماني نساء في دنفر بإيداع ١٠٠٠ دولار أمريكي وفتح بنك خاص بهن. هذا ليس تبسيطًا، بل هو تاريخ. حتى صدور قانون تكافؤ فرص الائتمان
عام ١٩٧٤، لم يكن الاستقلال المالي للنساء الأمريكيات صعبًا فحسب، بل كان مقيدًا قانونيًا. لم يكن بإمكان المرأة فتح بطاقة ائتمان باسمها دون وجود شريك ذكر. رفضت البنوك بشكل روتيني إصدار قروض عقارية للنساء العازبات أو خصم دخلهن عند تقديم الأزواج طلباتهم معًا.
كانت رواتب النساء تُعتبر "دخلًا إضافيًا"، وليست دخلًا حقيقيًا. حتى فتح حساب مصرفي قد يتطلب إذن الزوج أو الأب، حسب البنك والولاية. تخيلوا ذلك. كان بإمكان المرأة العمل بدوام كامل، وكسب دخلها الخاص، لكن النظام المالي كان يعاملها كطفلة تحتاج إلى موافقة الرجل للوصول إلى الأدوات الاقتصادية الأساسية.
غيّر قانون ١٩٧٤ القواعد نظريًا. لكنه لم يُغيّر الثقافة السائدة.
كانت البنوك لا تزال مؤسسات ذكورية بأغلبية ساحقة - يديرها رجال، ومصممة خصيصًا لهم، ومرتاحة لعملائهم الذكور. واجهت رائدات الأعمال صعوبة في الحصول على قروض تجارية.
وواجهت النساء المُعيلات للأسرة تشكيكًا. كانت الرسالة واضحة: أموال النساء مُرحّب بها، لكن قيادة النساء ليست كذلك. لذا في عام ١٩٧٨، قررت ثماني نساء من كولورادو،، أنهن لم يعدن ينتظرن اللحاق بالركب في عالم المال.
كارول جرين،،، جودي واجنر،،، لاري أوروليان،،، جايل شوتلر،،، ويندي ديفيس،،، جوي بيرنز،،، بيفرلي مارتينيز،،، إيدنا موسلي... ساهمت كل واحدة من هؤلاء النساء بمبلغ ١٠٠٠ دولار - من أموالهن الخاصة، التي كسبنها من خلال عملهن.
ومعًا، أسسن بنك النساء في وسط مدينة دنفر. ليس اتحادًا ائتمانيًا. وليس دائرة إقراض غير ربحية. بنك تجاري متكامل، معتمد ومؤمّن عليه اتحاديًا، أسسته نساء وصُمّم خصيصًا لخدمة النساء اللواتي حُرمن من الخدمات المصرفية التقليدية.
كان أول بنك تجاري مملوك للنساء في تاريخ أمريكا. افتُتح في نوفمبر 1978.
توقعت المؤسسات الحصول على فائدة. ربما كانت بضع عشرات من النساء يتقدمن لفتح حسابات، فضوليات بشأن هذه التجربة الجديدة. لكن بدلًا من ذلك، امتدت الطوابير حول المبنى. جاءت النساء يحملن مدخراتهن - بعضها في مظاريف، وبعضها في دفاتر شيكات، وبعضها نقدًا كنّ يخبئنه في منازلهن لأنهن لم يثقن بالنظام الذي استبعدهن لفترة طويلة.
جئن لإيداع أموالهن. والأكثر من ذلك - جئن لإيداع ثقتهن في مؤسسة رأتهن أخيرًا على قدم المساواة. بنهاية ذلك اليوم الأول، جمع بنك النساء أكثر من مليون دولار من الودائع. مليون دولار. في اليوم الأول. كانت النساء ينتظرن هذا. كنّ ينتظرن بنكًا يفهم أن دخل المرأة ليس "مكملًا". أن رائدة الأعمال لم تكن تُشكل خطرًا لمجرد كونها أنثى. وأن المرأة المطلقة التي تُعيد بناء حياتها المالية تستحق الاحترام لا الشك.
لم يكن بنك النساء يُقدم خدمات مصرفية فحسب، بل كان يُعلن عن حقيقة مفادها: لا تحتاج النساء إلى إذن للتملك أو البناء أو القيادة أو التحكم في مصائرهن الاقتصادية. لم تكن المؤسسات الثماني وريثات ثريات أو خبيرات في عالم البنوك. كنّ نساءً أدركن معنى التعامل مع نظام مالي بُني لإقصائهن. وقررن أنه بدلًا من مطالبة هذا النظام بالتغيير، سيبنين شيئًا جديدًا. على مدار السنوات التالية،
موّل بنك النساء مشاريع مملوكة لنساء لم تكن البنوك التقليدية تُقبل عليها. كما قدّم برامج تثقيف مالي. وأثبت أن البنك الذي يُركز على احتياجات النساء ليس مثاليًا فحسب، بل مُربحًا أيضًا. أصبحت إحدى المؤسسات، جايل شوتلر، نائبة حاكم ولاية كولورادو. ونجحت أخريات في بناء مسارات مهنية ناجحة في مجالي التمويل والأعمال. لكن إرثهم الحقيقي كان إثبات أن القوة الاقتصادية لا تتطلب إذنًا، بل تتطلب فعلًا. اندمج بنك المرأة نفسه في نهاية المطاف مع مؤسسات أخرى،
كما فعلت العديد من البنوك المحلية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
لكن تأثيره امتد إلى الخارج، وألهم بنوكًا واتحادات ائتمانية مماثلة على مستوى البلاد. لقد أثبت أن النساء قادرات على إدارة المؤسسات المالية بكفاءة الرجال، وأن هناك طلبًا هائلاً على الخدمات المصرفية التي تحترم النساء باعتبارهن مساويات اقتصاديًا. واليوم، عندما تمرر امرأة بطاقة ائتمانها الخاصة، أو تفتح حسابًا تجاريًا، أو تحصل على قرض عقاري دون وجود ضامن ذكر، فإنها تمارس حقوقًا كانت غير قانونية قبل خمسين عامًا فقط.
وعندما تبدأ رائدات الأعمال أعمالهن، ويبنين ثرواتهن، ويتخذن قرارات مالية دون طلب إذن، فإنهن يدخلن من باب فتحته ثماني نساء من كولورادو عام ١٩٧٨. لم يكن بنك النساء ثوريًا فقط لأنه كان يُدار من قبل النساء. بل كان ثوريًا لأنه أثبت أن الإقصاء المالي لا يتعلق بقدرات النساء، بل يتعلق بسيطرة الرجال.
وعندما قررت النساء التوقف عن المطالبة بمقاعد على الطاولة وبناء خزائنهن الخاصة بدلاً من ذلك، كان على النظام أن يأخذ في الاعتبار ما كان ينكره طوال الوقت:
لم تكن القوة الاقتصادية للنساء هي السؤال أبدًا. بل كان الوصول هو السؤال. لم تفتتح هؤلاء النساء الثماني بنكًا فحسب، بل فتحن مستقبلًا حيث لم يكن الاستقلال المالي أمرًا مُمنحًا - بل كان الحق المطالب به...

Friday, November 14, 2025

حين تزرع البهجة في قلبٍ آخر

 


قرّر عروسان من تركيا أن يكتبا قصّة مختلفة عن الأفراح التقليدية… قصة تجعل من يوم زفافهما عيدًا للإنسانية لا للترف.

في صيف عام 2015، بمدينة كيليس الواقعة على الحدود التركية السو*رية، كان فتح الله وإسراء يستعدّان لليوم الذي يحلم به كل عاشق. لكن وسط ضجيج التحضيرات والأفكار حول القاعة والوليمة، طرح والد العريس فكرة غيّرت مجرى حياتهما للأبد:
"لماذا لا نشارك فرحتنا مع من لا يجدون ما يأكلون؟"

كانت كلمات بسيطة، لكنها لامست أعماق قلبيهما. فبدلًا من إقامة حفلٍ فاخر يكلّف آلاف الليرات، قرّر العروسان تحويل ميزانية الزفاف إلى وليمةٍ تطعم آلاف اللا* جئين السو*ريين الذين كانوا يعيشون في خيام على أطراف مدينتهم.

وفي يوم الزفاف، ارتدت إسراء فستانها الأبيض، ووقف فتح الله إلى جوارها ببدلته الأنيقة، لكنّهما لم يتوجّها إلى قاعةٍ مزيّنة أو موكبٍ مزخرف... بل إلى المخيم، حيث آلاف الوجوه المتعبة تنتظر لقمةً تسند الجوع.
هناك، وسط صفوف طويلة من الرجال والنساء والأطفال، بدأ الزوجان يقدّمان الطعام بأيديهما، يوزّعان الابتسامات قبل الأطباق، والرحمة قبل الخبز.

كان العرس بلا موسيقى، بلا ورود، بلا فخامة... لكنّه كان مليئًا بدموع الفرح، وبدفء إنساني لا يُشترى بالمال.
حين نظرت إسرا في عيون الأطفال الذين تناولوا طعامهم بشكرٍ صامت، أدركت أن السعادة الحقيقية لا تأتي من مظاهر البذخ، بل من إسعاد الآخرين.

ذاع صيت هذه القصة في العالم كله، ووصفتها الصحف بأنها "الزفاف الذي أطعم الجياع بدل أن يُشبع المظاهر".
وفي تلك الليلة، لم يكن هناك أضواء ولا رقص… بل كان هناك نور من نوعٍ آخر، يسطع من قلبين أدركا أن الحبّ لا يُقاس بما يُنفق، بل بما يُمنَح.

إنها تذكرة لنا جميعًا: الأفراح ليست لتفاخرٍ عابر، بل لفرحٍ باقٍ… حين تزرع البهجة في قلبٍ آخر.

سيغموند فرويد

 


الإنسان ليس سيدًا في بيته النفسي
سيغموند فرويد
فرويد يقصد أن الانسان لا يتحكم بالكامل في داخله.
هناك أشياء تحركه دون أن يشعر
رغبات مكبوتة
مخاوف قديمة
ذكريات منسية
عقد نفسية
لاوعي يوجه السلوك والقرارات
أي أن العقل الواعي ليس هو الحاكم الوحيد.
داخل الانسان بيت نفسي مليء بعواطف ورغبات وخبرات
بعضها يسيطر من الخلف ويؤثر على التصرفات دون اذن أو ادراك منه.
لسنا مسيطرين تماما على أنفسنا كما نظن.


أبناء القسوة وبنات الدلال

 



A point of View... Not mine...!

أبناء القسوة وبنات الدلال
المجتمع الذكوري القاسي على الرجل..الرحبم على المراة
على غرار السردية المتداولة ، التي لطالما تروج ظلم المجتمع الذكوري للمراة ، و بعكس ما نراه غالبا في الطبقات المتوسطة والغنية، ففي الحارات الشعبية التي تُولد فيها الحكايات والألم معًا، تتكرّر مشاهد تبدو عادية للوهلة السطحية، لكنها تحمل في أعماقها خللاً كبيرًا لا يُرى. هناك، حيث تُربى الفتاة على وسادة من الحنان، يُترك الصبي وحيدًا يواجه الحياة دون دليل. مجتمعاتنا الشعبية، على سذاجتها الظاهرة، تُبالغ في تدليل الإناث وتعزيز وعيهن بذواتهن، بينما تُنزل على الذكور سياط القسوة وكأنها تصنع منهم رجالًا بالفطرة.
الفتاة تُربى على أنها غالية، كائن هشّ يستحق الحماية والرعاية، تُسمع كلمات الإطراء، ويُحتفى بمشاعرها، ويُفهم غضبها وبكاؤها كأشياء بشرية طبيعية، بل جميلة أحيانًا. تُحتضن حين تتألم، وتُحمى حين تخطئ، وتُدفع للمدرسة وللوعي وللتعبير عن ذاتها، كأنما العالم كله يهيئها لأن تكون قوية دون أن تُجرح. بينما الصبي، يُعامل من اليوم الأول كأنه يجب أن يكون جاهزًا لكل شيء. يبكي؟ يُسكت. يخاف؟ يُسخر منه. يُخطئ؟ يُضرب. يطلب الاهتمام؟ يُقال له: "عيب، أنت رجل".
وهكذا، تُبنى نفسية الفتاة على الطمأنينة، بينما تُترك نفسية الفتى عارية تواجه العاصفة. يكبر الاثنان، لكن بداخل كل منهما عالم مختلف تمامًا. هي تعرف ذاتها، تفهم مشاعرها، قادرة على طلب الحب والدعم والكلمة الطيبة. أما هو، فلا يعرف كيف يُفصح، لا يثق أن هناك من سيفهمه، لا يُجيد طلب الحب، لأنه ببساطة لم يُعلّمه أحد كيف يفعل ذلك. هذا التفاوت النفسي العميق لا يُولد تعاطفًا، بل شرخًا. تبدأ الفتاة في شبابها تنظر للصبي على أنه غليظ، صلب، غير حساس، بينما هو مجرد إنسان لم يُعلّمه أحد كيف يكون طريًا دون أن يُكسر.
ثم نصل إلى المراهقة، تلك المرحلة التي تنفجر فيها كل الجراح المؤجلة. الولد الذي لم يُدلّل يومًا، ينظر إلى والده بعين حنق مكتوم. الأب الذي رآه طوال عمره مصدرًا للقسوة والانضباط، يصبح عدوًا داخليًا، بينما الابن لا يجد مساحة يُخرج فيها ألمه إلا من خلال التمرد أو الانغلاق أو العنف. وتبدأ السلسلة تتكرّر: شاب مكسور، يحمل قسوة تُحسب عليه لا له، وتُدان "ذكوريته" وكأنها خيار، لا نتيجة لما صُنع به.
وهنا تنهار سردية "التمييز ضد المرأة" التي طالما روجت لها الحركة النسوية. لأننا حين ننظر بعمق لا بسطح، نكتشف أن الذكر في هذه المجتمعات ليس المميز، بل المُهمل، المُتروك، المُطالب بكل شيء دون أن يُعطى شيئًا. لا يُدلل، لا يُصغى له، لا يُحمى، لا يُربّى على الحب. ويُقال بعدها إنه الجلاد.
الحقيقة أن هذه المجتمعات التي توصف بالـ"ذكورية" هي في حقيقتها تُفرّق ضد الذكور. تمنح البنات الرعاية الزائدة والوعي والدعم النفسي، بينما تُترك الذكور ليكبروا كأشجار عارية الجذور، تبدو قوية من الخارج، لكن أول ريح كفيلة بإسقاطها. هذه المعادلة لا تُنتج عدالة، بل تُعيد إنتاج جرح عميق يتوارثه الأبناء بصمت، ويتحول لاحقًا إلى صراع غير مرئي بين الرجل والمرأة، وبين الابن والأب، وبين الذكر ونفسه.
وهكذا، لا يصبّ "المجتمع الذكوري" كما يُقال في مصلحة الذكر، بل عليه تمامًا. لكن لأن ألمه لا يُبكى عليه، ولأن جروحه لا تُرى، لا أحد يصدّق أنه الضحية. وهذه أكبر خديعة وقع فيها الجميع.
وما إن يمتد ذلك الأسلوب في التنشئة إلى مؤسسة الزواج وخيارات الارتباط، حتى تبدأ الكارثة في أخذ شكلها الكامل: يخرج الحب مشوهًا، مشروطًا، ومثقلًا بتوقعات لا علاقة لها بالمشاعر. الفتاة التي كبرت على دلال مادي وعاطفي لا تُصدق أن للحب معنى خارج العطاء والامتلاك، فتبحث في الرجل عن المال، عن الأمان المالي، عن الاستقرار المُعلّب، لا عن روح تشاركها الطريق. والرجل، الذي كبر محرومًا من الحنان، يبحث في المرأة عن أم بديلة، عن صدر يحتضنه، عن لمسة لا تُحاسبه، عن حب لا يُشترط فيه الأداء.
لكن المفارقة أن كليهما لا يعرف الحب كما هو، بل كما صُوِّر له في بيت الطفولة. هو يعطي ليُقبل، وهي تأخذ لتشعر أنها مرغوبة. هو يُرهق نفسه ليشعر بأنه يستحق، وهي تنتظر المزيد لتشعر بالأمان. وهكذا، يدخلان العلاقة مثقلين بالاحتياج، لا بالمشاركة، ويتحول الزواج إلى ساحة تفاوض لا مساحة تلاقٍ.
الرجل يُفجع حين يكتشف أن الحب وحده لا يكفيها، وأنه مطالب بتأدية دور المُنقذ المالي والمُبهر الاجتماعي. والمرأة تُصدم حين تجد رجلاً يطلب الحنان، لا يُتقن القسوة التي تعلّمت أنها دليل الرجولة، ولا يُبهرها ببرود أو سيطرة، بل يطلب عاطفة لا تعرف كيف تقدمها إلا في صورة مشروطة.
يصبح الزواج استمرارًا لذلك الخلل الأول، لا علاجه. يُعاد إنتاج المأساة في قالب جديد: ذكرٌ مجوَّف يبحث عن دفء، وأنثى مشروطة تبحث عن ضمان. فلا هي تجد فارس أحلامها، ولا هو يجد الحضن الذي حلم به. ينهاران سويًا تحت وطأة سوء الفهم المتبادل، ويظن كل منهما أن الآخر هو السبب، بينما السبب أعمق من ذلك بكثير… السبب تربية نسينا فيها أن الحب حاجة إنسانية، لا أنثوية فقط، وأن الحنان ليس عيبًا في الذكور، وأن القسوة ليست تأهيلًا للحياة بل للخراب.

السمكُ ليس مؤهلاً

 

لا تغمسي قدميكِ في البحر كثيراً
فالسمكُ ليس مؤهلاً ليعيش في ماءٍ حلو!”
ادهم الشرقاوي
قس بن ساعدة
لا تقدمي حنانك ولطفك وصفاءك لمن لا يعرف قيمتها
ولا يستطيع العيش فيها.
هناك أشخاص اعتادوا على مياههم المالحة على طباع قاسية
أو علاقات مؤذية
أو عقلية معينة
فاذا قدمت لهم ماء عذبا سيختنقون به بدل أن يرتووا.
ليس كل من نحسن اليه يستطيع ان يتقبل او يفهم هذا الاحسان
بعض الناس لا يناسبهم نقاؤك فيرفضونه أو يسيئون استخدامه.
اختاري لمن تعطين دفء قلبكِ فليس كل الناس مخلوقين للماء الحلو.

محو الجهل الأخلاقي



المدرسة الرواقية

محو الجهل الأخلاقي:
لماذا فشل التعليم في صناعة الضمير؟
لقد أنشأت البشرية آلاف المدارس والجامعات، وعلّمت الناس الطب والهندسة والفقه والاقتصاد، لكنها فشلت في تعليمهم الضمير.
صنعت العقول، لكنها لم تصنع الوعي الأخلاقي.
منحت الشهادات، لكنها لم تمنح البصيرة.
وهكذا وُلد جيل واسع من المتعلمين الذين يعرفون “كيف يعمل العالم”، لكنهم لا يعرفون “كيف يعيش الإنسان بكرامة وعدل”.
1. الجهل الأخلاقي… أخطر أنواع الجهل الخفي
الجهل الأخلاقي لا يعني بالضرورة الانحراف أو الجريمة، بل هو العمى القيمي — حين لا يملك الإنسان بوصلة داخلية تحكم تصرفاته بمعيار الخير والحق والجمال.
إنه الجهل الذي يجعل العالم البارع يبرّر الظلم، والطبيب يتاجر في المرض، والعالم الشرعي يسكت عن الفساد باسم المصلحة، والسياسي يخدع باسم الوطنية.
في ظاهره ذكاء وبلاغة، وفي باطنه تكلس الضمير.
وهذا أخطر من الجهل الفكري، لأن الجاهل فكريًا قد يتعلم، أما الجاهل أخلاقيًا فيبرّر جهله ويمنحه قداسة.
2. التعليم الذي يُنتج المهارة دون الوعي
إن منظوماتنا التعليمية ركزت على إنتاج المهارة لا على بناء الإنسان.
فصارت المدارس تُعلّم كيف ننجح في الامتحانات، لا كيف نحيا بنزاهة.
تُعلّم الأطفال كيف يحسبون الأرقام، لا كيف يحسبون نتائج الكلمة الجارحة أو القرار الظالم.
يخرج الطالب بعد 16 عامًا من التعليم، لكنه لم يتلقّ يومًا درسًا عن الصدق كقيمة حياتية، أو عن المسؤولية تجاه الآخر، أو عن كيفية التعامل مع الخطأ والاختلاف.
لهذا ترى من يحمل أعلى الدرجات العلمية، لكنه يعجز عن ممارسة أبسط أخلاقيات الحياة اليومية: احترام الوقت، ردّ الجميل، الاعتراف بالخطأ، أو قول “لا أعلم”.
3. وهمُ التدين ومأزق الأخلاق
الاعتقاد السائد في مجتمعاتنا أن المتدين هو بالضرورة إنسان أخلاقي، وهذا خطأ كبير.
كل متدين ليس بالضرورة أخلاقيًا، لأن التدين في صورته الشكليّة لا يخلق ضميرًا، بل طقسًا.
بينما كل إنسان أخلاقي هو متدين بالفطرة، لأن جوهر التدين الحق هو الإحسان إلى الخلق والصدق مع النفس والعدل في التعامل.
الضمير الأخلاقي هو الدين في أنقى صوره:
حين لا تحتاج إلى سلطة تراقبك لتكون نزيهًا، ولا إلى خوف لتكون صادقًا، ولا إلى فتوى لتفعل الخير.
هذا هو الإيمان الواعي، الذي يجعل الإنسان يتصرف من الداخل، لا تحت رقابة الخارج.
4. الجهل الأخلاقي الجماعي
حين يغيب التعليم الأخلاقي، تتحول المجتمعات إلى نُظم تبرير جماعية.
يتعلم الطفل منذ الصغر أن “الغاية تبرر الوسيلة”، وأن “الذكي هو من يلتف على القوانين”، وأن “الخطأ الجماعي لا يُحاسب عليه أحد”.
بهذا يُغسل الضمير الجمعي تدريجيًا حتى يصبح الفساد عادة، والكذب مهارة، والغش “شطارة”.
إنه الانحدار الصامت للأمم المتعلمة التي فقدت روحها.
5. التربية الأخلاقية منهج لا موعظة
الأخلاق لا تُدرّس كمادة نظرية، بل تُمارس كحياة.
فهي لا تنشأ من خطب الجمعة أو دروس الوعظ، بل من بيئة يعيش فيها الإنسان القيم يوميًا:
يرى الصدق مُكرمًا، والنزاهة مُكافأة، والعدل مُطبقًا.
الأخلاق ليست ترفًا، بل نظام مناعي يحمي المجتمع من الانهيار.
فحين تسقط الأخلاق، لا تنفع الشهادات ولا القوانين، لأن من يطبقها قد صار مريض الضمير.
6. نحو تعليم يولّد الضمير
إننا بحاجة إلى ثورة معرفية تربوية، تجعل التربية الأخلاقية قلب العملية التعليمية لا ذيلها.
تبدأ من رياض الأطفال إلى الجامعات، حيث يُربّى الطالب على:
كيف يفكر قبل أن يحكم،
كيف يفهم قبل أن يرفض،
كيف يختلف دون أن يكره،
وكيف يخدم مجتمعه بإخلاص لا بمصلحة.
نحتاج إلى تعليم يُعيد الإنسان إلى إنسانيته قبل أن يُعيده إلى سوق العمل.
7. من الجهل الأخلاقي إلى النضج الإنساني
التحرر من الجهل الأخلاقي هو ميلاد جديد للضمير الجمعي.
إنه الطريق من الدين الشكلي إلى الإيمان الواعي، ومن الأخلاق النظرية إلى المسؤولية الكونية.
حين يدرك الإنسان أنه جزء من منظومة الحياة، وأن أي فعل يقوم به يؤثر في هذا النسيج العظيم، يصبح الخير خيارًا واعيًا لا واجبًا ثقيلًا.
خاتمة
لقد آن الأوان أن ننتقل من “تعليم العقول” إلى “تربية القلوب”.
فالعلم بلا أخلاق يصنع أدوات الدمار، بينما الأخلاق بلا علم تصنع سذاجة.
أما حين يجتمع العلم بالأخلاق، يولد الوعي الذي يصنع الحياة.
إن محو الجهل الأخلاقي هو الشرارة الأولى لكل نهضة إنسانية،
لأن الأمم لا تنهض عندما تتعلم فحسب، بل حين تحسن أن تكون إنسانًا وهي تتعلم.

 

الفلاسفة لم يكرهوا النساء

  


"الفلاسفة لم يكرهوا النساء... بل عرفوا حقيقتهم، عكس الشعراء الذين أسرتهم الشهوة"
في التاريخ الطويل للفكر الإنساني، كثيرًا ما يُتهم الفلاسفة بأنهم "كرهوا النساء"، بينما يُشاد بالشعراء لأنهم تغنّوا بهن، ورفعن إلى مصافّ الآلهة والملكات. لكن لو أمعنّا النظر بعمق وجرأة، سنجد أن هذه الصورة تحتاج إلى إعادة نظر: فالفلاسفة لم يكرهوا النساء، بل رأوا حقيقتهم كما هي، من دون زينة ولا قناع، أما الشعراء، فأسرتهم الشهوة والخيال، حتى نسجوا صورًا خيالية لا تمتّ للواقع بصلة.
الفلاسفة، منذ أفلاطون إلى نيتشه، لم يخجلوا من طرح أسئلة وجودية عن طبيعة المرأة، عن دورها، عن علاقتها بالرجل والمجتمع. كانوا أحيانًا قساة، ناقدين، ولكنهم لم يكونوا كاذبين. لم يكتبوا عن المرأة التي يريدونها، بل عن المرأة كما رأوها. لم يتغنّوا بعينيها وخصرها، بل تساءلوا عن فكرها، عن حرّيتها، عن مكمن قوّتها أو خضوعها.
أما الشعراء؟ فقد صوّروا النساء ككائنات سماوية، خارجة عن الزمن والمجتمع والواقع. جعلوهنّ آلهات، ملهمات، نبعًا للحنين والعشق والتضحية. بكوا لفراقهن، وكتبوا دواوين في وصف أنوثتهن. لكن خلف هذا الغزل، كانت هناك حقيقة مُرّة: كثير من هؤلاء الشعراء لم يعرفوا النساء كأشخاص، بل كأوهام. لم يحبّوا المرأة، بل حلمهم عنها.
والمفارقة الساخرة؟ أن الشاعر الذي كتب أجمل القصائد في محبوبته، كثيرًا ما تُختطف منه تلك المحبوبة في النهاية على يد رجل آخر. قد يكون غنيًا، قويًا، أو ببساطة أكثر واقعية. فتذهب "الملكة" التي كتب عنها القصائد إلى من يقدّم لها ما هو أكثر من الكلام... إلى من يعيش في الواقع، لا في القصيدة.
ربما لهذا السبب كان الفيلسوف ساخرًا، بينما الشاعر كان باكيًا. الأول رأى الحقيقة، والثاني خُدع بها.
في زمننا هذا، نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نفهم النساء كما هنّ، لا كما نتخيّلهن. لا نريد شاعرًا يمجّد امرأة لا وجود لها، بل مفكرًا يطرح الأسئلة الجريئة: ماذا تريد المرأة؟ من يقيدها؟ من يحررها؟ ومتى تكون سيّدة نفسها فعلًا، لا موضوعًا لغزل الآخرين؟
نعم، الفلاسفة لم يكرهوا النساء... بل احترموا عقولهم بما يكفي لقول الحقيقة.